الرسالة المحمَّدية
جاء النبي مُحمّد -صلى الله عليه وسلم- بالهداية للناس كافةً، وقد كان وقت بعثته في فترةٍ خلت من الرسالات والشرائع والدّيانات، وأول من بدأ النبي بدعوتهم كانوا أقرب الناس إليه، وأكثرهم منزلةً عنده، ثم توسعت الدعوة حتى بلغت جميع الناس، ولما واجه النبي وأصحابه التعذيب والتنكيل من أهل قريش في مراحل الدعوة الأولى سعى النبي لإيجاد مكانٍ آخر غير مكة تنطلق منه الدعوة الإسلامية، وكان من بين تلك الخيارات مدينة الطائف القريبة جغرافياً من مكَّةَ المكرمة، فما هي قصة النبي في الطائف؟ وما تفاصيلها وأبعادها؟ ذلك ما ستبحثه هذه المقالة بعد توفيق الله ومشيئته.
قصة النبي في الطائف
كانت الطائف تُمثِّل بُعداً مهماً بالنسبة لسادات قريش وكُبرائها، حيث إنها كانت مكاناً استراتيجياً لهم يملكون فيها بيوتاً يجعلونها كمصايف لما في طبيعة الطائف من جمال، ولتسييرهم قوافل تجارية إليها في الصيف كذلك، فكانت الطائف منتجع استجمامٍ ومكان تجارةٍ لسادات قريش وتجارها، وبعد أن يأس النبي -صلى الله عليه وسلم- من تكوين دولته في مكَّةَ فقد عزم على دعوة أهل الطائف إلى الإسلام، ولتنشأ في مدينتهم الدولة الإسلامية الحديثة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤمّل في الطائف وأهلها خيراً حينها، وقد ظن أن أهلها سيُرحّبون به ويستقبلونه على خلاف ما فعل أهل مكة، فيكونون نصيراً ومُعيناً له في دعوته.[١]
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة مُتَّجهاً إلى الطائف سيراً على الأقدام، خوفاً من أن تعتقد قريش أنه قد غادر مكة فيتبعونه ويُعطلون عليه ما يصبو إليه، وكان في صحبته حِبُّه زيد بن الحارثة، وكان وقتها ابناً له بالتبني قبل نزول الأمر الإلهي بتحريم التبني، وكان يحرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويُعينه في سفره، حتى وصل إلى الطائف بأمانٍ وسلامة.[١]
بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوة كبار القوم من أهل الطائف الذين هم أهل الحلِّ والعقد فيها وإليهم يرجع أمرها، فدعاهم إلى الإسلام، وعرض عليهم أن تحتضن الطائف دعوته بدلاً من مكة التي رفضه أهلها وعذبوه وأصحابه، فكان ردُّ أسياد الطائف على النبي قاسياً، فبعد أن طردوه منها أغروا به سفهاءهم وصبيانهم، فتبعوه بالحجارة وسبوه ووصفوه بالجنون، حتى إنه صلى الله عليه وسلم أُصيب بقدميه الشريفتين من أثر حجارة صبيان الطائف، وسالت منها الدماء، فزاد همُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصابه الحزن.[١]
قصة النبي مع عداس
بعد أن لحق صبيان ومجانين الطائف بالنبي يرمونه بالحجارة ويشتمونه لجأ إلى بستانٍ يعود لرجلَين من سادات الطائف هما عتبة وشيبة ابنا ربيعة، ويقع ذلك البستان على بعد ثلاثة أميال من الطائف، ومن هذا البستان الصغير جاءت النُّصرة والبشارة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أرسل صاحبا البستان له بغلامٍ نصراني يُدعى عداس، يحمل قطفاً من العنب ليروي به ضمأ ضيفهما الغريب، بعد أن حمياه من صبيان ومجانين الطائف، وأقعداه في ظل شجرة ليستريح.[٢]
وقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا ربه بعد أن زاد همُّه قائلاً: (اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وَهَواني علَى النَّاسِ، أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ، وأنتَ ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري، إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ، لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ).[٣]
فلما وضع عداس العنب بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، مدَّ يده إليه وقال: (بسم الله) ثم أكل، فقال عداس: إن هذا الكلام لا يصدر عن أهل هذه القرى، فقال صلى الله عليه وسلم: (من أي البلاد أنت وما دينك؟) فقال عداس: أنا نصراني من مدينة نينوى، فقال صلى الله عليه وسلم: (من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟) فقال عداس: ومن أين عرفت يونس بن متى؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي) فهوى عداس إلى قدمي النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأسه فقبلهما، ثم آمن بما جاء به.[٢]
عظات ولطائف من رحلة الطائف
تزخر رحلة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بالعظات والمواقف التي ينبغي الوقوف عليها مليّاً، فالمتمعّن في تلك الحادثة وما أعقبها من حوادث في الدولة الإسلاميّة تتجلى له أهمية تلك الرحلة وأثرها على المدى البعيد على مسار الدولة الإسلاميّة ككل، ومن أبرز ما يمكن أن يُستفاد من هذه الرحلة ما يلي:[١]
يُعتبر توجُّه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بعد أن رفض كفار قريش الإيمان بدعوته والتصديق بها دليلاً على حرصه على الدعوة وإصراره على هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنه لم ييأس من موقف قومه المُعادي لدعوته، لا بل أنه سعى لإيجاد مأوى تنشأ فيه الدولة وتنمو حتى يبلغ غايته.
يتَّضح في هذه الرحلة عظيم الخُلُق النبوي في الصفح والعفو عن المسيئين له، حيث عفا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سادات الطائف رغم طردهم له، وتسخير صبيانهم لسبه وضربه.
في وقت الشدائد لا يكون الالتجاء إلا لله سبحانه وتعالى، وقد ظهر ذلك جلياً في دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه أن يكشف عنه ما يجد من كرب، بعد ما تعرض له من الصدِّ والتكذيب والشتم والإساءة.
يمكن أن تكون النتائج لإيجابية في النهايات، ولا يجب الاستعجال في طلبها، فقد عاد النبي من الطائف مطروداً، لكنه مع ذلك لم ينثنِ عن الدعوة فقد دعا عداس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولقي نتيجة دعوته، وعاد بعداس مسلماً.
لا بدَّ لمن يقوم بالدعوة أن يا لشيءٍ من الطرد والتكذيب والتشويه والشتم والإهانة، حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تعرض لذلك وهو أشرف الخلق وأطهرهم وأصدقهم، لذلك ينبغي للداعي أن لا ييأس أو يقنط إن أصابه شيءٌ من ذلك بل يجب عليه أن يُصرَّ على دعوته اقتداءً بالنبي.
جاء النبي مُحمّد -صلى الله عليه وسلم- بالهداية للناس كافةً، وقد كان وقت بعثته في فترةٍ خلت من الرسالات والشرائع والدّيانات، وأول من بدأ النبي بدعوتهم كانوا أقرب الناس إليه، وأكثرهم منزلةً عنده، ثم توسعت الدعوة حتى بلغت جميع الناس، ولما واجه النبي وأصحابه التعذيب والتنكيل من أهل قريش في مراحل الدعوة الأولى سعى النبي لإيجاد مكانٍ آخر غير مكة تنطلق منه الدعوة الإسلامية، وكان من بين تلك الخيارات مدينة الطائف القريبة جغرافياً من مكَّةَ المكرمة، فما هي قصة النبي في الطائف؟ وما تفاصيلها وأبعادها؟ ذلك ما ستبحثه هذه المقالة بعد توفيق الله ومشيئته.
قصة النبي في الطائف
كانت الطائف تُمثِّل بُعداً مهماً بالنسبة لسادات قريش وكُبرائها، حيث إنها كانت مكاناً استراتيجياً لهم يملكون فيها بيوتاً يجعلونها كمصايف لما في طبيعة الطائف من جمال، ولتسييرهم قوافل تجارية إليها في الصيف كذلك، فكانت الطائف منتجع استجمامٍ ومكان تجارةٍ لسادات قريش وتجارها، وبعد أن يأس النبي -صلى الله عليه وسلم- من تكوين دولته في مكَّةَ فقد عزم على دعوة أهل الطائف إلى الإسلام، ولتنشأ في مدينتهم الدولة الإسلامية الحديثة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤمّل في الطائف وأهلها خيراً حينها، وقد ظن أن أهلها سيُرحّبون به ويستقبلونه على خلاف ما فعل أهل مكة، فيكونون نصيراً ومُعيناً له في دعوته.[١]
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة مُتَّجهاً إلى الطائف سيراً على الأقدام، خوفاً من أن تعتقد قريش أنه قد غادر مكة فيتبعونه ويُعطلون عليه ما يصبو إليه، وكان في صحبته حِبُّه زيد بن الحارثة، وكان وقتها ابناً له بالتبني قبل نزول الأمر الإلهي بتحريم التبني، وكان يحرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويُعينه في سفره، حتى وصل إلى الطائف بأمانٍ وسلامة.[١]
بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوة كبار القوم من أهل الطائف الذين هم أهل الحلِّ والعقد فيها وإليهم يرجع أمرها، فدعاهم إلى الإسلام، وعرض عليهم أن تحتضن الطائف دعوته بدلاً من مكة التي رفضه أهلها وعذبوه وأصحابه، فكان ردُّ أسياد الطائف على النبي قاسياً، فبعد أن طردوه منها أغروا به سفهاءهم وصبيانهم، فتبعوه بالحجارة وسبوه ووصفوه بالجنون، حتى إنه صلى الله عليه وسلم أُصيب بقدميه الشريفتين من أثر حجارة صبيان الطائف، وسالت منها الدماء، فزاد همُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصابه الحزن.[١]
قصة النبي مع عداس
بعد أن لحق صبيان ومجانين الطائف بالنبي يرمونه بالحجارة ويشتمونه لجأ إلى بستانٍ يعود لرجلَين من سادات الطائف هما عتبة وشيبة ابنا ربيعة، ويقع ذلك البستان على بعد ثلاثة أميال من الطائف، ومن هذا البستان الصغير جاءت النُّصرة والبشارة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أرسل صاحبا البستان له بغلامٍ نصراني يُدعى عداس، يحمل قطفاً من العنب ليروي به ضمأ ضيفهما الغريب، بعد أن حمياه من صبيان ومجانين الطائف، وأقعداه في ظل شجرة ليستريح.[٢]
وقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا ربه بعد أن زاد همُّه قائلاً: (اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وَهَواني علَى النَّاسِ، أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ، وأنتَ ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري، إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ، لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ).[٣]
فلما وضع عداس العنب بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، مدَّ يده إليه وقال: (بسم الله) ثم أكل، فقال عداس: إن هذا الكلام لا يصدر عن أهل هذه القرى، فقال صلى الله عليه وسلم: (من أي البلاد أنت وما دينك؟) فقال عداس: أنا نصراني من مدينة نينوى، فقال صلى الله عليه وسلم: (من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟) فقال عداس: ومن أين عرفت يونس بن متى؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي) فهوى عداس إلى قدمي النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأسه فقبلهما، ثم آمن بما جاء به.[٢]
عظات ولطائف من رحلة الطائف
تزخر رحلة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بالعظات والمواقف التي ينبغي الوقوف عليها مليّاً، فالمتمعّن في تلك الحادثة وما أعقبها من حوادث في الدولة الإسلاميّة تتجلى له أهمية تلك الرحلة وأثرها على المدى البعيد على مسار الدولة الإسلاميّة ككل، ومن أبرز ما يمكن أن يُستفاد من هذه الرحلة ما يلي:[١]
يُعتبر توجُّه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بعد أن رفض كفار قريش الإيمان بدعوته والتصديق بها دليلاً على حرصه على الدعوة وإصراره على هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنه لم ييأس من موقف قومه المُعادي لدعوته، لا بل أنه سعى لإيجاد مأوى تنشأ فيه الدولة وتنمو حتى يبلغ غايته.
يتَّضح في هذه الرحلة عظيم الخُلُق النبوي في الصفح والعفو عن المسيئين له، حيث عفا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سادات الطائف رغم طردهم له، وتسخير صبيانهم لسبه وضربه.
في وقت الشدائد لا يكون الالتجاء إلا لله سبحانه وتعالى، وقد ظهر ذلك جلياً في دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه أن يكشف عنه ما يجد من كرب، بعد ما تعرض له من الصدِّ والتكذيب والشتم والإساءة.
يمكن أن تكون النتائج لإيجابية في النهايات، ولا يجب الاستعجال في طلبها، فقد عاد النبي من الطائف مطروداً، لكنه مع ذلك لم ينثنِ عن الدعوة فقد دعا عداس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولقي نتيجة دعوته، وعاد بعداس مسلماً.
لا بدَّ لمن يقوم بالدعوة أن يا لشيءٍ من الطرد والتكذيب والتشويه والشتم والإهانة، حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تعرض لذلك وهو أشرف الخلق وأطهرهم وأصدقهم، لذلك ينبغي للداعي أن لا ييأس أو يقنط إن أصابه شيءٌ من ذلك بل يجب عليه أن يُصرَّ على دعوته اقتداءً بالنبي.